الامور اخطر من ان توصف- د. معاذ إبراهيم العوايشة

كلماتٌ دوى بها سماحة قاضي قضاتنا في الأردن د.أحمد هليل على منبر مسجد الحسين ليصل صداها المعمورة ، بتناقل وسائل الإعلام المحلية والدولية لها ، حملت في طياتها تحذيراً شديداً بلهجة غير مسبوقة من مثله ، هذا مع قرب خاص من ملوك البلاد لعدة عقود يخوله لمعرفة ما لا يعرفه كثيرون غيره ، جاءت كلماته باسم عالم من علماء الأمة كما أشار، مذكراً باللجوء إلى الله تعالى في الكرب محذرًا من الفتن في الداخل ومطالبًا بالدعم من الخارج خوفًا على قضية فلسطين وعلى الأردن وعلى الخليج ، وقد لاقت هذه الكلمات ردود أفعال على المستوى الإعلامي و وسائل التواصل الاجتماعي مما يدعونا إلى وقفات وتأملات لا بد منها ومن ذلك :
أولاً : توقيت هذه الخطبة جاء في وقت حساس و خطير على المستوى الداخلي والدولي ، فأما الداخلي فإن البلاد تمر بأزمة اقتصادية خانقة و مديونية فائقة ووصلت مستويات الفقر والحاجة إلى أعلا مستوياتها منذ تأسيس البلاد ، مع احتقان شعبي يُخشى بسببه الفتن ، ومع وضع دولي لا يقل خطورة عن الداخلي ، فتدفقُ مقاتلي داعش من الداخل العراقي والسوري إلى القرب من حدودنا بسبب الحرب الدولية عليهم مع سقوط حلب وقوة الجبهة الروسية الإيرانية السورية يفرض على الأردن وضعاً حذراً مرعباً ، فجاءت هذه الخطبة – بعد تصريحات قائد القوات المسلحة قبل أسابيع قليلة وهو أعلا السلطات الأمنية عن الهلال الشيعي وامتداداته – جاءت دقاً لجرس الإنذار أن الأردن يمكن أن يضعف بسبب وضعه الاقتصادي ، فيمد يده لإيران وحلفائها وهذا هو الأسوأ والأخطرلأن الثمن سيكون الأمن القومي للبلاد و أمنها الداخلي وعقيدة أهلها البعيدة عن التشيع و هو خطوة في طريق ابتلاع الأردن كما ابتلعت دول قبله ، فإن لم يقم الخليج ودوله بواجبهم لَحِقَ الأردن بغيره ، وهوظهير الخليج ونصيره وعضده وبوابته ولا سيما مع وجود جبهة داخلية علمانية ويسارية تدعو لمدِّ اليد لدول الممانعة المزعومة .
ثانياً : هل وصلت كلمات الرجل وبلغت رسالته أم لا ؟
إن انتشار كلماته وتناقل الوسائل المختلفة لها ولا سيما الدولية منها بلغ الغاية ، والمرء ليس عليه إلا البيان والبلاغ أما الاستجابة فليست مسؤوليته ( إن عليك إلا البلاغ ) ، ثم إن كلماته أحدثت نشاطا لدى الكتاب وفي وسائل التواصل الاجتماعي أشعر الجميع بخطورة المرحلة وقد ظهر في بعض هذه المشاركات حمية الأردنيين وشهامتهم وعدم الرضا بسؤال أحد مع شدة الضنك والحاجة ، وهي حمية محمودة مشكورة تعودها الأردنيون في الوقوف أما الشدائد مع عون الله سبحانه، لكنني أظن أ ن فهم الأمر على أنه “شِحدة ” فهم مغلوط بعيد عن الصواب ، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم :” من يجهز جيش العسرة وله الجنة ” ألم يحث على النفقات والعطاء مرات عديدة على منبره؟ ما على الخطوط الأمامية للجيش لو طلبت مدداً من الخطوط الخلفية ، ما على الأردن لو طالب جزءاً من الجسد الواحد أن يشعر بمعاناة جزء آخر من الجسد نفسه ، ألا يحق أن يطالب الأردن بشيء من مال الأمة المسلمة ، أي عار على المسلم وهو يسمع قول نبيه عن أخيه المسلم ” لا يسلمه ولا يخذله ” ويبقى في إعراض عنه ، قدم الأردن ويقدم للأمة أرضه وسماءه وماءه وهواءه وخبراته وجيشه ، واقتسم شعبه مع أبناء الأمة الواحدة دون النظر لجنسيات الحدود الحالية لقمة العيش والحياة بكل صورها مع كثرة الترحاب والتهلّي ، ألا يحق له أن يطالب بشيء من حقه الذي لا منّة فيه لأحد ولا سيما مع الدور الأمني الذي لعبه فحُفظت به دول من السقوط وأخرى من الضعف ، أليس مما يندى له الجبين أن بشار الأسد يقمع شعبه ويحرق بلاده ولا يستمع لنداء أحد ولا لشيء من المؤسسات الأممية والعالمية ، ولمّا مد يده لإخوانه الروافض جَنّدت إيران نفسها له ، واستجاب له حزب الله وتنادى القوم حتى من باكستان وأفغانستان لنصرته لا بالمال فحسب بل بكل شيء ، ولنقل إنها حرب مصالح كما هو الحال مع روسيا ، أليست مصالحنا مع الخليج والعالم الإسلامي واحدة ، فلماذا يُلام من يطالب بالحق الواجب .
ثالثاً : الخائضون في شأن الخطبة والمعلقون عليها على أصناف :
صنف هم عوامُّ الناس وهم عادةً تبع للصنف الثاني وهم النخب والمثقفون والإعلاميون ، وهذا الصنف الثاني على نوعين : الأول تكلم بدافع الحرص والمحبة والحمية والوطنية فتعقّل بعضهم في الخطاب واستعمل الألفاظ اللائقة مع طرحه لعدد من المقترحات – فحريٌ بصناع القرار تتبعها والاهتمام بها – مع عدم رضاه عن هذه الطريقة في السؤال والطلب على المنبر، والبعض الآخر رضي الخطبة بما فيها مبرراً بحاجة المرحلة لذلك .
أما النوع الثاني من النخب فهؤلاء كان همهم الرد والتشنيع والتشويه ، فهم أصحاب أجندات خاصة ، فهم إما إسلامي له تياره أو حزبه الخاص الذي لا همّ له إلا إثبات وجوده ومصادرة قول غيره لأنه لا يوافق طريقته أو يساري علماني من أصحاب معسكر الممانعة المزعومة ، والذي يريد فكّ الإرتباط مع الخليج والارتماء في أحضان إيران ومن معها ، وتبع هؤلاء جماعات من العوام في إساءةٍ وشتمٍ تدل أن كثيراً من الناس لم يعد يعرف النافع من الضار ، والخير من الشر ، وما زال لا يدرك خطورة المرحلة ومَن العدو من الصديق.
رابعاً : إن آثار الأزمة الاقتصادية على المجتمع ثم الدولة خطيرة ووخيمة وبعض النخب تكلّمت بحمية لا بروية ، وكثير من هذه النخب يعيش في حالة مادية جيدة فلم يذق طعم الفاقة التي أورثت مجتمعات الشباب الذي لا يجد سبيلاً للعفاف الشقاء والعنت ، فاسمع عن معدلات ونسب العنوسة الهائلة التي أثارت ناراً في الهشيم لمعدلات الزنا والفواحش مع انفتاح اعلامي محموم ، والذي يخالط مجتمعات الشباب من الجنسين يدرك ما أقول جيداً ، إن انتشار الرشوة في دوائرنا ومؤسساتنا بسبب الحاجة والفقر حتى كدتَ لا تنجز معاملة إلا بواسطة أو رشوة ليؤذَن بالخطر العظيم ، ولا سيما إذا بيعت ذمم مسؤولين في الأجهزة الأمنية كما حصل من قبل، إن ظاهرة التطرف والدعشنة واحدة من ثمار الفاقة والفقر ، وبعد هذا كله يُطل بعضهم فيقول “الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها” فماذا يقول عن كل هذه الصور من فساد المجتمع ، وهو يترفّع لا عن الأكل بثدييها بل عن سؤال الحق الواجب له والمطالبة به ممن يجب عليه أداؤه .
خامسًا: ليست هذه المطالبة من دول الخليج تعني أن لا نكافح الفساد ونطالب بمحاسبة الفاسدين، وليست تعني أن نبقى متفرجين منتظرين ، بل سماحته طالب دول الخليج وأنا وأنت نضع خططاً ومقترحات اقتصادية وغيرها ، وأفرادٌ آخرون يطالبون بالمحاسبة والمتابعة، ومؤسسة هنا و أخرى هناك تنشؤ المشاريع وتخاطب المسؤلين وتُعنى بالشراكات وهكذا .
ليس مطلوباً منا جميعاً أن نقول كل شيء ، ونفعل كل شيء فكلٌ بقدر همته وقدرته واستطاعته.
وأخيراً فإننا اليوم مطالبون جميعاً بإنقاذ البلاد ، فإن كنا نستطيع استجلاب الدعم الخارجي فلن ننتظر محاسبة الفاسدين ، ولن ننتظر الدعم إن استطعنا محاسبة الفاسدين، فكل شيء مطلوب والمهم النجاة .
إننا مطالبون بالكلمة الحكيمة الرشيدة الطيبة ، إننا أحوج ما نكون إلى العقلاء و أن نثّمن كل عطاء ونشكر كل بذل ، نحن بحاجة أن نعرف طريقنا وخصومنا و أعواننا ، و أن نترفع عن الأغراض الحزبية أو الشخصية ، فتصفية الحسابات الضيقة والأجندات المشبوهة ليس لها مكان اليوم إذا كانت الأمور أخطر من أن توصف .

د. معاذ إبراهيم العوايشة .
محاضر غير متفرغ/الجامعة الأردنية.

مقالات ذات الصلة