الرئيس الفلسطيني : عملت فرّاشا ونادلا وهذه قصّتي “المريرة”!
كشف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عدداً من أسرار حياته في مراحل عمره وعمله ودراسته بعد النكبة الفلسطينية، وذلك قبل انخراطه في العمل السياسي، ورئاسته للسلطة الفلسطينية، عقب وفاة الرئيس ياسر عرفات قبل 13 عامًا.
والرئيس محمود عباس (مواليد صفد عام 1935)، أجبر مع عائلته على مغادرة بلاده إثر نكبة عام 1948، وهاجروا خارج فلسطين، واستأجروا دارًا مؤلفة من غرفتين في أحد الأحياء الفقيرة في العاصمة السورية دمشق.
وقال الرئيس عباس، لمجلة (الرجل) السعودية: ‘لقد نفذ ما لدينا من مال، وكان علينا جميعًا أن ننزل إلى ساحة العمل، لنكسب قوت يومنا، وكي لا نمدّ أيدينا إلى الناس، فعملت مع معلم ‘بلاط’، كنت أخلط الأسمنت والرمل وأنقل له البلاط بأجر ليرة سورية واحدة، من طلوع الشمس حتى مغيبها، وطعامي رغيف خبز وصحن دبس، لم يتغير طيلة ستة أشهر.
وأضاف عباس: ‘كنت أثناء ذلك أشاهد الطلاب في مثل عمري يذهبون إلى المدارس، وألمح بعض من كنت معهم في مدرسة صفد، فينفطر قلبي حزناً وأسى على نفسي، وأتساءل، لماذا لا يتاح لي أن أذهب إلى المدرسة، وأتعلم كبقية أبناء سني؟’.
وأضاف: ‘انتقلت للعمل كفرّاش في مكتب عقاري، بعدما مرضت وأجهدت من العمل كبلاط، وتنقلت من عمل لآخر حتى استقر بيّ الحال لأصبح نادلاً في مطعم، يعمل من الصباح إلى منتصف الليل’.
إقرأ المزيد : عباس يصل نيويورك ويلقي كلمة مهمة أمام مجلس الأمن غداً
وبحسب المجلة، فإن قسوة الظروف لم تحل دون إكمال الرئيس عباس لدراسته، حتى تمكًن من متابعة تحصيله العلمي من البيت دون أن يتخلى عن عمله، فحصل على شهادة الإعدادية ثم الثانوية العامة ‘الفرع العلمي’، وثم درس القانون في جامعة دمشق، وتابع حتى حصل على الدكتوراة في العلوم السياسية.
وتابع عباس: ‘لقد كانت المدارس بالنسبة لشعبنا هي السبيل الوحيد الذي يزوّدنا بالسلاح، لمواجهة الحياة، لأننا لا نملك أرضاً ولا صناعة ولا تجارة، فليس أمامنا إلا أن ننهل من مناهل العلم لنواجه أعباء الحياة، ولا يعرف قيمة الوطن إلا من فقده، لأن الوطن ليس أرضاً وبيتاً وحديقة وعملاً، الوطن حياة وانتماء وهوية وأمانً’.
بعد حصوله على شهادة الإعدادية انتقل الرئيس عباس إلى التدريس، فعمل مدرسًا في بلدة القطيفة الابتدائية بريف دمشق، وحصل على راتب مئة وستٍ وعشرين ليرة ونصف، وكان مبلغاَ كافياً في ذلك الوقت ليعيش منه الإنسان، ويقدم لعائلته منه مبلغاً محترمًا يساعدها على سدّ جانب من مصاريفها، وفق قوله.
وكان الرئيس عباس يحلم بدراسة الهندسة، لكنه لم يتمكن من تحقيق حلمه، لأن هذه الدراسة بحاجة إلى تفرغ ومصاريف، وهذا يعني أنني سأخسر راتبي وأحمّل أهلي عبئاً لا قبل لهم به.
وأضاف: ‘ولكن بحمد الله، حققتها بأخي وبأبنائي وأبناء إخوتي، حتى أصبح في عائلتنا الصغيرة أكثر من خمسة عشر مهندساً’.
انخرط الرئيس عباس في العمل السياسي الوطني منذ مطلع شبابه، ولأنه كان ممنوعاً على الفلسطيني أن يمارس أي نشاط سياسي، اتجه مع بعض الأصدقاء إلى العمل السري، وأسسوا أول مجموعة فلسطينية عام 1954 في دمشق، واتحدوا مع مجموعات وطنية تكونت في دول أخرى، وتشكلت على إثرها حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) التي أعلنت انطلاقتها عام 1965، بقيادة الراحل ياسر عرفات، بحسب المجلة.
ألّف الرئيس محمود عباس ما يزيد على 60 كتابًا، تحدث فيها عن الهجرة اليهودية، وناقش النظرة العربية لإسرائيل، والمسيرة السياسية في الشرق الأوسط، ومباحثات السلام مع إسرائيل واتفاق أوسلو، وعددًا من الموضوعات السياسية الأخرى.
لاحقًا، انتقل الرئيس عباس في عـام 1957 للعمل في وزارة التربية والتعليم القَطَرِية، مديراً لشؤون الموظفين، زار خلالها الضفـة وقطاع غـزة مرات عدة، لاختيار معلمين وموظفين للعمل في قطر.
تزوج الرئيس من أمينة عباس في 1958، ورزق بثلاثة أولاد هم مازن وياسر وطارق، حتى توفي نجله مازن عام 2002، بسبب نوبة قلبية، بينما ياسر وطارق، يملكان عدداً من الشركات والمشاريع.
وبحسب تصريحاته للمجلة، فإنه وبسبب انشغاله الدائم بين الوظيفة والعمل الوطني، تولت زوجته تربية الأولاد وتنشئتهم تنشئة صالحة، موضحًا أن مسيرة حياته الذاتية اختلطت بحياته العامة، إلى درجة التطابق والتكامل، ويقول: ‘لم أشعر في حياتي قط، أن لي حياة خاصة أمارسها وأعيشها، وعيت على مأساة اللجوء، وكرسنا أعمارنا كلها للثورة منذ مطلع الستينات، لم يكن بإمكاننا أن نعيش حياة أسرية أو عائلية كباقي البشر، حياتنا أشبه بالسجن، إذا لم تكن سجناً حقيقياً، وعزلنا فيها عن حياة المجتمع العادية’.
أمنية أخرى لم يكتب لها التحقق؛ يروي عباس: ‘كنت طالباً في كلية الحقوق، شعرت أن في داخلي حساً فنياً، يدعوني إلى أن أدرس الموسيقى، وبدأت فعلاً في تلقي بعض الدروس الخصوصية، إلا أن والدي، رحمه الله، حين لاحظ وجود عود في البيت، ثارت ثائرته وعنّفني، فصرفت النظر عن الموضوع’.