كتب الناطق الإعلامي باسم الأمن العام المقدم عامر السرطاوي عن رفيقه الشهيد المقدم سائد المعايطة “كلنا نتساقط الا انت يا سائد فقد ارتقيت”:
منذ عرفتكُ منذ عشرين عاماً لم تكن مثلنا ولم تكن بعمرنا، من يومها ومنذ التقينا في ميدان جامعة مؤته كنا ما زلنا مراهقين لا نعلم لما نحن هنا أو ما سيحصل معنا كنت أنت الوحيد من كان يظهر عليه الثقة.
كنت وحدَك كمن ولدَ ب”القايش” و”البوريه”، ففي أول يوم انتقلت بحافلات الجامعة والتقينا في ميدان الجامعة جميعاً كانت الصدمة على محيانا جميعاً كمن انتقل من كوكب إلى آخر بعد أن انزلولنا من الحافلات لنجري ونزحف وننزع ملابسنا لنرتدي “الفوتيك” و”البسطار” كان هناك شخص يومها كمن يملك ثقة العالم، وحدك يا سائد من كان يبتسم وملامحه لم تتغير يومها.
مضت الأيام الاولى للقائنا وبدأنا نتعرف على بعضنا في أصعب الظروف التي من الممكن أن يعيشها الانسان، كنا نتعرف على اسماء بعضنا ونتحدث سوياً وعن أماكن سكننا ونحن نمارس اقسى التمارين العسكرية.
مع الوقت وجدنا انفسنا نعيش حياتنا الخاصة بعيداً عن كل ما له علاقة بحياتنا السابقة كنا “ثمانيناً” نعيش سويا نأكل سوياً ندرس ونلعب ويخاف بعضناً على الآخر، إن مرض أو وقع في مشكلة كأننا كتلة واحدة نعيش مع بعضنا معظم اوقاتنا، بعيداً حتى عن اهلنا الذين كنّا في البدايات لا نشاهدهم او نتصل معهم إلا في كل شهر أو شهرين فقط إن سُمح لنا بذلك.
هناك شريط طويل من الذكريات يربطنا ببعضنا لا تستطيع الكلمات ايصالها لكن نحن نذكرها جيداً هي لا تنسى وهي ما تجلعنا نبكيك، فكم في تلك الذكريات كنت جامعاً لها، كم كنت تبث الفرح لنا في اصعب الأوقات كم كنت تحب أن تجمعنا في اوقات الفراغ القليلة لكي نضحك نلعب.
كنت تحب عمل “المقالب” فينا خاصة مع احمد كريشان وكنا نساعدك بكل مخططاتك تلك، كم كنا نلجأ إليك إن وقع أحدنا في مشكلة أو وقع خلاف فيما بيننا وكنت دوماً “الحكيم” الذي يرشدنا وينهي كل تلك الخلافات.
لن استطيع ايصال لو جزء يسير من تلك الشخصية الفريدة لكن هناك ما يجب أن يعلمه الجميع حتى يعرفوا من هو سائد المعايطة، اذكر كم عانيت اثناء دورة الصاعقة بعد اصابتك بقدمك واذكر كيف تحاملت على الآلام واكملتها دون أن يشعر بك أحد إلّا نحن.
اذكر كذلك عندما اجتمعنا لمنعك من القفز في دورة المظليين كي لا تتفاقم اصابتك، رجوناكَ يومها أن تؤجلها للعام المقبل لكنك لم تكترث بنا وبكل ما قلناه ومضيت بثقتك التي لم ارَ على وجه الارض من يحملها واعتقد انك ارتقيت واستشهدت وانت تحمل بعض الوجع في تلك القدم.
اذكر كيف كنا قبيل التخريج كل منّا يفكر ويخطّط اين يريد أن يخدم ويرغب توزيعه، كان طموحنا كله واحاديثنا تنصب على ادارات المخدرات أو البحث الجنائي او حماية الاسرة إلا انت من يومها كنت تعلم وتخطط اين تريد، فاخترت الاصعب وسعيت له وحظيت به.
منذ ذلك الوقت كنتَ ترغب في التضحية والشهادة، كم اذكر ابتسامَتك ونحن نمازحك قولاً (ضلك هيك يا سائد اخرتك تنلف بالعلم وتترفع)، كنت غير آبه بنا كأنك تقول لنا وأنت تبتسم (لو حصل ذلك سأكون شهيداً عندها ساسبقكم ولن تستطيعوا مجاراتي)، والآن فقط استطعت تفسير تلك الابتسامة.
افترقنا لكن سيرتك كانت لا تنقطع حتى لو لم نشاهدك، كانت اخبار بطولاتك تصلنا من مقربين واصدقاء ومن أفراد يخدمون بإمرتك فكم كانوا يحبّون قوتك وشجاعتك وصرامتك وكم كانوا يحبون رأفتك وكرمك وطبيتك، فانت وحدك من استطاع جمع كل تلك المتضادات في شخصيته.
سمعنا منهم ومنك الكثيرَ الكثيرَ، كنتَ مقداماً ففي احدى الواجبات عندما اصابت رصاصة رتبتك العسكرية تابعت واجبك كأن شيئاً لم يحصل، وعندما اضاع أحد افراد قوتك “مسدسه” اصررت على العودة رغم الخطورة والتنبيه بعدم العودة ولم ترجع يومها إلا والسلاح بحوزتك.
وعندما كنت ب”هايتي” مع قوات حفظ السلام وسقطت طائرة بداخلها اردنيين اصررت يومها على الذهاب لمكان سقوطها الذي لم تستطع أي طائرة او مركبة الوصول إليه وحملت جثث الضحايا معك ثمانية من زملائك على أكتافك لمسافات طويلة وبطرق وعرة لايصالها للطريق العام، فضلاً عما قمت به اثناء الزلزلال الذي ضرب هايتي وكم شخص استطعت انقاذه وانتشاله من بين الانقاض.
أما مواقفك الشخصية الانسانية سأتركها لتلاقي بها ربك راضياً مرضياً، لكنني أعلمُ جيداً وكلُّ من هو حولك يعلم كم كنت تحب عمل الخير وكم كنت انساناً حساساً تتأثر وتتألم عندما ترى المحتاجين، ونعلم جميعاً كذلك كم كنت تحب اسرتك ووالديك واخوتك.
في آخر لقاء لنا كنت أنت من سعى اليه وحفزتنا لجمع أكبر عدد ممكن من خريجي الفوج لأن الحياة والمشاغل قد اخذتنا من بعضنا، فكان آخرَ لقاء في نادي ضباط الامن العام قبل أشهر وكنت حينها كعادتك الجامع لنا ولم تترك يومها ذكرى جميلة ومضكحة الا وذكرتنا فيها.
غادرنا ولم نكن نعلم أنه سيكون اللقاء الأخير وأن اصرارك على ذلك اللقاء كان لوداعنا، فلم نراك بعد ذلك إلا وانت مسجى شهيداً ودموعنا ودموع الاردن كلها تبكيك وتنعاك.
فيا “أسد القلعة” ويا “سيد شباب الاردن” لن نراك ثانيةً، لن نجتمع ثانيةً، لم نسمع ضحكتك ثانيةً، لن تنفذ “مقالبك” علينا ثانيةً، لن تنادينا بألقابنا ثانيةً، لكن نعدك أن تبقى بيننا وأن نبقى روحُك وضحكاتُك بيننا، وستيقى فينا ما حيينا.
عزاؤنا الوحيد بكَ أنك نلت ما طلبت وارتقيت شهيداً مقداماً مدافعاً عن الأردن وعن القلعة التي تربيت عندها وكنت تحدثنا عن طفولتك التي كانت القلعة لها نصيب كبير فيها، فقد لعبتَ بها وأنت صغير واستشهدت داخلها وانت كبير، كأن الله اراد لك أن ترتقي من ذات المكان الذي تحب، فلك الجنة يا صديقي واخي ولنا ولاهلك وكل من يحبك الصبر على مصابنا.